الرباط – مغاربة بلا حدود
تتزايد التحذيرات من التأثيرات الاجتماعية الخطيرة ل الاضطرابات النفسية غير المعالجة في المغرب، في ظل تزايد حالات السلوك العنيف والجرائم الغريبة، وسط دعوات لتبني سياسة عمومية شاملة للصحة النفسية.
وتفيد تقديرات رسمية صادرة عن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بأن أزيد من 40% من المغاربة يعانون من شكل من أشكال الاضطرابات النفسية، فيما يعاني القطاع من خصاص حاد في الأطر المتخصصة، حيث لا يتجاوز عدد الأطباء النفسانيين بالمملكة 500 طبيب فقط، أي بمعدل طبيب واحد لكل 100 ألف نسمة.
ويرى مختصون أن غياب العلاج النفسي المنتظم، إلى جانب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بهذا النوع من الأمراض، يؤدي إلى تفاقم الوضع، ما يجعل بعض الحالات معرضة للانفجار في شكل أفعال عنف أو سلوكيات إجرامية غير مفسرة عقلانيًا.
حادثة “سفاح بني أحمد” وارتباطها بالاضطرابات النفسية
إحدى الجرائم البارزة التي أعادت فتح النقاش حول الاضطرابات النفسية في المغرب هي حادثة “سفاح بني أحمد” التي هزت الرأي العام سنة 2022. حيث أقدم شخص يعاني من اضطرابات نفسية على ارتكاب سلسلة من الجرائم البشعة في منطقة بني أحمد، في حادثة أثارت جدلًا واسعًا حول غياب التشخيص المبكر والرعاية النفسية الكافية. وتبين بعد التحقيقات أن الجاني كان يعاني من اضطراب عقلي، مما أثار تساؤلات حول المسؤولية القانونية للعلاج النفسي في الوقاية من مثل هذه الجرائم.
ورصدت تقارير إعلامية حالات موثقة لجرائم مثيرة، ارتكبها أفراد كانوا يعانون من اضطرابات نفسية، من بينها جريمة وقعت بتطوان عام 2023، حين أقدم شاب على قتل والدته، ليتبين لاحقًا أنه كان يتلقى علاجًا نفسانيًا متقطعًا.
في السياق ذاته، تسجل المؤسسات التعليمية ارتفاعًا مقلقًا في مؤشرات التوتر والاكتئاب وسط التلاميذ، لا سيما في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19، وهو ما أكده تقرير سابق للمندوبية السامية للتخطيط، التي دعت إلى تعزيز الرعاية النفسية داخل المنظومة المدرسية.
أما داخل المؤسسات السجنية، فقد سبق للمندوبية العامة لإدارة السجون أن أقرّت بوجود حالات اضطرابات نفسية تستوجب مواكبة خاصة، داعية إلى تعزيز التكفل الطبي النفسي لتفادي انعكاسات سلبية على أمن المؤسسات ومحيطها.
وترجع العديد من الدراسات الوطنية هذه الأزمة إلى عوامل بنيوية، من بينها تفشي البطالة، والهشاشة الاجتماعية، وغياب التربية النفسية، وضعف الخدمات المتوفرة، إلى جانب استمرار النظرة السلبية للمرض النفسي داخل المجتمع المغربي.
وفي هذا الإطار، دعا عدد من المتخصصين إلى ضرورة إخراج خطة وطنية متكاملة للصحة النفسية إلى حيز التنفيذ، تشمل التوعية، والوقاية، والعلاج، وإدماج التربية النفسية في المناهج التعليمية، وتعزيز خدمات الدعم النفسي في المدارس والمستشفيات والمراكز الجهوية.